محمد عمران .. شاعر ورسام وثورجى .. لكن فى الأصل " نجار مسلح " - فرح

شاهد ايضا ::

محمد عمران .. شاعر ورسام وثورجى .. لكن فى الأصل " نجار مسلح "

عمران
كتب حسن مجدى

على أسطح المنازل التى مازالت تُبنَى، قضى حياته، يرص الأخشاب، ليرفع أسقف منازل فاخرة، لم يحلم يوما أن يسكن فى أحدها، وسط المدينة المزدحمة، التى أتى لها من إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، منذ سنوات، على أمل أن يجد فرصة فى تحقيق أمله.. هذا الأمل لم يكن توفير منزل أفضل أو الزواج وتكوين أسرة مثل معظم زملائه فى "نجارة المسلح"، بل كان حلم فى توصيل ما قدمه فى فن لم يعد يرغب به معظم العوام أو المغنيون، ولم يعد يأتى بالكثير من الأموال، مثلما كان الحال فى الماضى، ولكنه وقع فى غرامه دون أن يدرى، سبب لهذا الغرام وأصبح كل حلمه أن يصل به للناس.

فى كراسة بسيطة نثر، محمد عمران، شعر الفصحى الخاص به، جانب إلى جانب مع رسوماته التى لم يستطع أن يفرد لها لوحات كبيرة جراء ضعف الحال، على أمل أن تتحرك الحياة فى يوم من الأيام إلى الأفضل بعد ثورة طال انتظار نتائجها، وترفعه بضعة درجات حتى ولو لتضعه مع من يسمون أنفسهم "على البلاطة" ويقول "أنا بقى إلى على الخشبة حتى ما حصلتش البلاطة".

هل شاهدت الحملة الإعلانية التى قدمها أحد البنوك خلال رمضان تحت عنوان "مكانك مش هنا".. تلك الحملة التى كان يريد بها رجل الديلفرى العمل نجار.. ويحمل الجارسون فيها أدوات الحلاق.. هكذا بالضبط قضى محمد عمران صاحب الثلاثة والثلاثين عاما، حياته منذ إن كان فى الصف الثانى الابتدائى حين بدأ قراءة وكتابة شعر الفصحى، ومشاركة والده فى نجارة المسلح فى نفس الوقت، فكان يعمل بيد تحمل الشاكوش وتضرب الأخشاب بالمسامير، ويد أخرى تحمل القلم وتنثر الشعر فوق الأوراق ويقول محمد "الفرق إننى من المؤكد مش هقدر أخد قرض أفتح به محل شعر ورسم، لأن مع الأسف محدش هيجى يأخد بخمسة جنيه شعر وبعشرة جنيه رسومات".

ساق بلا موطن.. يسقى من حوله خمرا

ساغت قلوب الشاربين.. تقطعت قلوبهم أربا

يمشون فى أوحال الدرك.. ما أدركوا إلا العمى

هذا جزء من شعر عمران الذى جمع حوله المتظاهرين فى ميدان التحرير بجانب مجموعة من الأشعار السياسية التى كتبها فى ديوان تحت عنوان ملحمة الثائر ويقول "أنا هنا من أول يوم فى الثورة عشان نفسى البلد تتغير بس كل لما ببص ورايا وأشوف اللى إحنا عملناه واللى البلد وصلت ليه بقى يجيلى حالة من اليأس".

ويتابع "كنت فى محمد محمود كل شوية أطلع من الشارع أشوف الناس بتقول إيه علينا.. كنت بلاقى كل أنواع الكذب والنفاق والناس إلى جاية تتصور وهى ما تعرفش أى حاجة عنا ولا حتى شافت إيه إللى بيحصل جوا الشارع، وبعد كده هما إلى حكموا البلد".

ارتباط الشعر بالنجارة فى حياة محمد لم يكن أثناء الكتابة فقط فالنجارة الآن أصبحت تشكل المصدر الوحيد لمتعة محمد، حيث يستطيع توفير جزء من يوميته بعد الطعام، ليذهب لإحدى الليالى الثقافية، فراتب محمد يقسم جزء للطعام والجزء الآخر للمواصلات التى سيدفعها حين يحضر لقاء ثقافى أو حتى يلقى الشعر فى بعض المراكز الثقافية الصغيرة التى تدعوه لها.

كتابة كتاب عن الفقراء والعمال.. وطباعة ديوان "ملحمة الثائر".. هى كل أحلام الشاب الذى رفض السفر مثل معظم شباب قريته ليعمل فى إحدى دول الخليج ثم يعود ويتزوج، وقرر أنه لو لم يبنى فى بلدة فلا يهم البناء.





المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف